– المدخل الشفوي:
إن المدخل الشفوي له أهمية قصوى فإذا صح المدخل استقام العمل واتضح الطريق، وإذا أخطأنا المدخل فلن نأمن مواصلة الطريق، وقد يكون من الخطأ مواصلة السير، لأن المسافة التي نقطعها بعد البداية الخاطئة تحتاج إلى نفس الزمن والمجهود الذي قطعناه تقريبا للرجوع أو لإصلاح هذا الخطأ، وأرى أن المدخل لابد أن يستعين بالوسائل الموجودة في الفصل الدراسي، وهذا سيعطي المدخل واقعية ومصداقية، ولأن أول ما يحتاج إليه المعلم في أول يوم دراسي هو التعرف على طلابه، وتعريف الطلاب بعضهم ببعض، أرى أن يبدأ المدخل بالتعارف داخل الفصل كما يلي:
يقول المعلم معرفا نفسه اسمي ……. ويكتب اسمه ثم يسأل أحد الطلاب قائلا: وأنتَ ما اسمكَ؟ وقد لا يستطيع الطالب الإجابة مباشرة، وهنا يتوجب على المعلم أن يساعد الطالب قائلا: اسمي ……… ، ويكرر المعلم هذا السؤال مع طلاب آخرين حتى يتأكد أن الطلاب قد استوعبوا السؤال واستطاعوا الإجابة عنه بتلقائية وبدون تفكير، ومن هنا يستطيع المعلم أن يكتب على السبورة هذه الجملة التي أدرك الطلاب معناها، واستطاعوا ترديدها شفويا كالتالي:
اسمي محي الدين، وأنتَ، ما اسمكَ؟
اسمي ………..
ويأمر المعلم طلابه بكتابة أسمائهم في الدفتر بدلا من النقط، ويتأكد المعلم من نسخ الطلاب للكلام المكتوب على السبورة نسخا جيدا، ويتأكد من كتابة كل طالب لاسمه، وذلك بالمرور بين الطلاب ومشاهدة ما يكتبه كل طالب، ويمكنه توجيه الطالب إلى طريقة الكتابة الصحيحة، ويساعده على كتابة اسمه باللغة العربية إن احتاج الطالب إلى ذلك، وبعد أن يتأكد المعلم من انتهاء الطلاب، يُعيد الحوار الشفوي مرة أخرى في صورته التسلسلية كالتالي:
يبدأ المعلم بنفسه أولا فيقول: اسمي …… ويذكر المعلم اسمه، ثم يتوجه إلى الطالب سائلا: وأنتَ، ما اسمكَ؟ ويتأكد من إجابة الطالب الصحيحة (اسمي ……. ويذكر اسمه) ثم يلوح المعلم بيده للطالب مشيرا إليه لكي يتعرف على الطالب الثاني سائلا: وأنتَ، ما اسمكَ؟ وهكذا مع الطالب الثالث والرابع … إلى آخر طالب في الفصل الدراسي.
وفي الحوار الثاني المعلم يختار أحد الطلاب ويجري معه فعل الأمر (قف) في جو حركي تسوده المودة والحب والابتسامة، ويمكن الإشارة باليد للدلالة على الوقوف ثم يشير بالجلوس قائلا: اجلس. وهكذا مع عدد من الطلاب حتى يتأكد من انطباع هذا الأمر في ذهن الطالب، فعندما يسمع الطالب ذلك المثير، تتبادر الاستجابة تلقائيا دون تفكير، ولا ينس المعلم أن يُسمع الطلاب كلمة تفضل، ويغرس فيهم كلمة شكرا وعفوا، ويغرس المعلم تحية الإسلام في نفوس طلابه، فقبل أن يلفظ المثير اللغوي، يمهد بالتحية لكي يهيئ الطالب بالسلام أولا، والسؤال عن الحال، فيقول قبل طرح المثير موجها الحوار إلى الطالب المرشح للسؤال:
السلام عليكم
ومن المتوقع أن كل طالب مسلم يعرف الإجابة عن هذه التحية، ويزيد المعلم بالسؤال عن الحال إن شعر أن استيعاب الطلاب لهذه التحية سهل، فيسأل عن الحال قائلا: كيف حالك؟ ويساعد الطالب في الإجابة إن احتاج الأمر إلى ذلك، (الحمد لله أنا بخير) وهكذا مع كل طالب سيتلقى أمرا من المعلم، وذلك لثقل تلقي الأمر المباشر على النفس البشرية، ولا يفوت المعلم أن يغذي حواراته بروح المداعبة، ويربي في نفوس طلابه حب المبادرة والاستعداد المستمرين للسؤال والإجابة، فكل طالب لابد أن يشعر أن السؤال القادم سيكون له، فتتهيأ نفسه للإجابة، ويكون حاضر الذهن والبديهة دائما.
وبعد إجراء الحوار السابق كاملا مع عدد لا بأس به من الطلاب، وحينما يشعر المعلم أن الطلاب قد أتقنوا الحوار وحفظوه، يزيد أجزاء الحوار قائلا:
أنا من …….. ثم يذكر اسم بلده قائلا مثلا: أنا من مصر، ويتوجه بالسؤال إلى أحد الطلاب قائلا: من أين أنتَ؟ ثم يساعد الطالب في الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال، بإخباره كيفية النطق العربي لاسم بلد الطالب، وهكذا يمكن تكرار الحوار وتسلسله بالكيفية التي ذكرناها سابقا.
ولا يفوت المعلم أن يبدأ الحوار مع كل طالب من بدايته وينتهي إلى آخر معلومة تعلمها الطالب، فيأمر الطالب بالوقوف، ثم يتبادل معه الحوار بعد إطالته كما يلي:
المعلم: السلام عليكم ؟
خالد: وعليكم السلام
المعلم: كيف حالكَ؟
خالد: الحمد لله أنا بخير
المعلم: قف.. اسمي إبراهيم، ما اسمكَ؟
خالد: اسمي خالد
المعلم: أنا من مصر، من أين أنتَ؟
خالد: أنا من بروناي
المعلم: شكرا
خالد: عفوا
المعلم: تفضل .. اجلس
خالد: شكرا
المعلم: عفوا
وبعد تجريب الحوار السابق مع عدد مناسب من الطلاب يأمر المعلم أحد الطلاب بالوقوف، ويأمر طالبا آخر بالوقوف في الجانب الآخر، ويطلب من الطالب الأول إجراء الحوار السابق مع زميله بالكيفية الآتية:
المعلم: يا إبراهيم قف، وأنتَ يا خالد قف. يا إبراهيم تفضل اسأل خالد
إبراهيم: كيف حالكَ؟
خالد: الحمد لله أنا بخير
إبراهيم: اسمي إبراهيم، ما اسمكَ؟
خالد: اسمي خالد
إبراهيم: أنا من بروناي، من أين أنت؟
خالد: أنا من بروناي أيضا
إبراهيم: شكرا
خالد: عفوا
المعلم: يا إبراهيم تفضل اجلس، وأنتَ يا خالد اجلس.
ويساعد المعلم أي طالب يعجز عن السؤال أو الإجابة، ويبدل المعلم الأدوار بين السائل والمجيب، ويمكن تكرار هذا الحوار مع باقي الطلاب، ولا بأس من إخراج المعلم لطالبين أمام الفصل لتمثيل الحوار إذا كان ذلك مناسبا.
ما فعلناه سابقا مع الطلاب يمكن فعله مع الطالبات مع التأكيد على الفرق بين ضمائر المؤنث والمذكر الواردة في الحوار، ولا مانع من التنويع بين الذكور والإناث إذا كانت الدراسة مشتركة، فتارة يجري المعلم الحوار بين الطالبات وأخرى بين الطلاب، وثالثة طالب وطالبة، أما إذا كانت الدراسة غير مشتركة فلا مفر من الاستعانة بالصور أو تمثيل الأدوار، وهكذا حسب الزمن المرسوم للحصة، ولا مانع قبل البدء في درس جديد من تكرار هذا الحوار، أو التمهيد به للدرس الذي بعده، وكلما تعلم الطالب حوارا جديدا يجب أن يضاف الحوار القديم إليه، وعلى المعلم أن يدرك أن التكرار مهم جدا في تعليم اللغة لغير الناطقين بها غير أننا لابد أن ندفع الملل من التكرار بتنويع أساليبه وطرقه كلما أمكن، مع ملاحظة أننا كلما أطلنا الحوار مع طالب اكتسب ذلك الطالب الثقة في نفسه، وتمكنت آليات اللغة من قلبه وعقله.
إن الطالب إذا شعر بانطلاق لسانه، سيزيد حبه للغة وسيمتلئ رغبة في التعلم، ولن نحرمه مما يحب ويرغب، فسنعرفه بكل ما يحيط به في الفصل الدراسي، وذلك من خلال الإشارة إليه، فنقول هذا كتاب، وهذا قلم، وهذه ممحاة، وهذه مبراة، وهكذا إلى أن يتعرف الطالب على كل من معه وكل ما يحيط به داخل الفصل الدراسي، ويمكننا أن نتأكد من إدراكه لما حوله بسؤاله عن كل ما تعرف عليه بعدة أسئلة متنوعة كالتالي:
ما هذا؟ – ما هذه؟ – مَنْ هذا؟ – مَنْ هذه؟
هل هذا قلم؟ – نعم هذا قلم. – لا، هذا كتاب.
هل هذا أحمد؟ – نعم هذا أحمد. – لا، هذا علي.
هل هذا قلمك؟ – نعم هذا قلمي. – لا، هذا ليس قلمي.
وبتغير المفردات وتنويعها تتحقق آلية الحوار والمناقشة من الأيام الأولى ويتم التواصل بين المعلم وبين طلابه، وكذلك بين الطلاب بعضهم البعض، ليس هذا فحسب بل يحدث التآلف بين البيئة المحيطة حيث يتعرف الطلاب على كل ما يحيط بهم، وبالتعرف على كل ما يدخل في دائرة اهتمام الطلاب، وبالتواصل بين الطلاب أنفسهم وبين الطلاب ومعلمهم، وبنفس الآلية الحوارية السابقة سيتم التعايش باللغة الجديدة، وسننجح في استخدامها، ولا بأس من الاستعانة بالصور أو المجسمات، أو الكروت ، أو الكمبيوتر، أو أية وسيلة تخلق الآلية الحوارية والتواصلية، وفيما يلي تخيل للآلية المقترحة:
2- المفردات الوظيفية :
إن الطالب في بداية مشواره مع اللغة تكون عنده لهفة وشراهة إلى معرفة مفردات كثيرة يحتاج إلى معرفتها للتواصل، فيحتاج إلى معرفة الأدوات المكتبية التي يستعين بها في داخل الفصل، وإلى معرفة أسماء أشياء تحيط به داخل إطار الفصل الدراسي، وعلى المعلم ألاّ يبخل على الطالب، وأن يشبع نهمه أولا بأول، فأية كلمة داخل الفصل يسأل الطالب عن معناها لابد أن يذكر المعلم معناها للطالب، لأن مجسمها موجود في الفصل، وهذه الكلمة سيرى الطالب صورتها دائما أمامه، فتذكره الصورة بصوتها ونطقها، وتردد الأصوات العربية في ذهن الطالب أمر مطلوب لأن هذه الضوضاء اللغوية ستتضح معالمها شيئا فشيئا وستنطبع الكلمات الجديدة في ذهن الطالب يوما بعد يوم حتى يألفها الطالب، ويعرفها بأقل مجهود ودون تعمد لحفظها.
إن كلمات مثل: قلم، وكتاب، ودفتر، وممحاة، وسبورة …. وغيرها مما يوجد في الفصل، يسهل على المعلم تعريف الطلاب عليها، وتعويدهم على سماعها في مواقف مختلفة وبآليات متغيرة كما سبق ذكره بالسؤال الشفوي عنها بهذا وهذه وهل هذا؟ فالمعلم لا يحتاج إلا إلى صوته فقط دون الحاجة إلى وسائل إيضاحية لمجسمات تلك المفردات، فبالإشارة إليها فقط مع ترديد صوتها يتم التواصل، ولا يعني هذا أن الاستعانة بالوسائل الإيضاحية أمر غير مطلوب في المراحل الأولى، بل العكس هو الصحيح، فللمعلم أن يستعين بكل وسيلة حسية توضح المعنى لكي نتجنب الترجمة فيمكنه الاستعانة بالراديو أو الكمبيوتر، أو بصوته مباشرة فيُسمِع الطلاب إلى ما يحتاجون إليه من مفردات، أعني المفردات الوظيفية التي يستخدمها الطلاب ويوظفونها لتنمية ثروتهم اللغوية، وعلى المعلم أن يتأكد من ترديد الطلاب لكل كلمة جديدة ترديدا كافيا لغرس صوتها في الذهن وبآليات متغيرة ووسائل مختلفة يدفع المعلم الملل عن طلابه، ولا يحتاج المعلم إلى الترجمة لأن الصورة تعبر عن المعنى المطلوب.
إن كثرة الاستماع المركز والتكرار للكلمات المفردة، نوع من التدريب الشفوي، ويساعد على الحفظ بطريقة غير مباشرة، ويخلق الألفة تجاه الأصوات العربية، وهذا ما سنحتاج إليه عند تعليمنا لمهاراتي القراءة والكتابة، فالطالب الذي لم يسمع كلمة من قبل لا يشعر بالراحة عند قراءتها، بل قد لا يستطيع قراءتها أصلا فضلا عن كتابتها، أو استخدامها، ومن هنا نرى ضرورة تقديم المدخل الشفوي، وتقديم الاستماع والألفة تجاه المفردات من خلال وسائل مصطنعة تؤدي إلى أهداف مرجوة مستقبلا، وهذا يتأتى بتوظيف نحوي للكلمات محل الدراسة بحيث يتآلف الطالب مع الكلمات المفردة عند وضعها داخل الجملة، فسماع الطالب للكلمة المفردة يختلف عن سماعها نفسها داخل جملة، وآلية التوظيف النحوي يجب أن تكون تدريجية وحسب ما تعلم الطالب من آليات شفوية، أو قل حوارية كما كان في المدخل الشفوي سابقا.
3- النحو الوظيفي:
إن مصطلح النحو الوظيفي برز إلى الساحات اللغوية حديثا، وقد عرفه عبدالعليم إبراهيم في كتابه “النحو الوظيفي” قائلا: “هو مجموعة القواعد التي تؤدي الوظيفة الأساسية للنحو، وهي ضبط الكلمات ونظام تأليف الجمل ليسلم اللسان من الخطأ في النطق، ويسلم القلم من الخطأ في الكتابة” وقد تختلف آلية استخدام هذا المصطلح عند النحويين العرب عنها عند المهتمين بتعليم العربية لغير الناطقين بها، رغم أن مفهوم المصطلح واحد، فالحاجة إلى النحو في تدريس اللغة حاجة استخدامية ووظيفة وليست نظرية فلسفية، فما حاجة غير العرب بمعرفة مصطلحات النحو العربي التي قد يعجز العربي عن فهم معناها أحيانا؟! وما حاجة غير العربي إلى دراسة الخلافات النحوية وقضايا النحو ومشاكله؟! إن لم يكن متخصصا في النحو العربي. إن ما يهم غير العرب من النحو العربي هو دوره في استقامة اللغة، أو بتعبير آخر، دوره في استقامة اللسان وتجنيبه اللحن والخطأ، أي دوره في صنع الآلية اللغوية التي نهتم بها اهتماما بالغا في هذا البحث.
والطالب غير العربي المبتدئ يحتاج من النحو ما يُساعده على الانتقال بين الضمائر المذكرة والمؤنثة، وما يستدعي إضافة بعض ضمائر الملكية، وبالقدر الذي لا يشعره بالحاجة إلى معرفة مصطلحات نحوية، وبدون التوغل في شرح مستفيض، بل بطريقة آلية قد لا يحتاج الطالب خلالها إلى السؤال عن السبب، وخلق الآلية النحوية بالتعويد والتكرار أفضل من دراسة القواعد ومن تفسير لا فائدة قريبة من معرفته، ويكفينا أن نقول إن من درس النحو لسنوات طوال، أو حتى تخصص فيه، ولم يستقم لسانه ولم يسلم من اللحن فهو لا يوازي في القدر من استقام لسانه وانفطر على النطق الصحيح، فالثاني أولى بالتقدير حتى وإن كان حديث عهد باللغة، وأخيرا إن ما نأمله من غير العرب هو التوظيف النحوي وما نريد أن ندرسه هو النحو الوظيفي.
4- مهارة الاستماع:
قد يجد الطالب الذي يتعلم لغة أجنبية صعوبة في التقاط المسموع وفهمه، ويخيل إليه أن التحدث يتم بسرعة غير معقولة، لكن النماذج التدريبية التي تدربه على الاستماع تعوده على تمييز الألفاظ في الجمل بنطقها العادي. وتنقل اللغة من الشعور إلى اللاشعور حيث تربط المعنى بموقف معين أو بصوت اللفظ نفسه دون حاجة إلى ترجمة.
وتكون آلية الاستماع عند المبتدئين بالتدريب على النطق الصحيح للحروف، والتمييز بينها عند سماعها مع الكلمات المتماثلة، والتدريب على الكلمات الجديدة سماعا والتمييز بينها وبين غيرها سماعا ونطقا، والتدريب على التقاط الكلمات وتمييزها داخل جمل أو حوارات، وهذه الآلية لا تتربي في نفس الدارس من خلال التدريب على المهارات الأخرى فحسب بل يمكننا أن نربيها في درس خاص بها نسميه درس الاستماع، والهدف الأول منه هو تدريب الأذن على الاستماع الصحيح مع فهم لما تسمعه، ويغلب أن يكون التدريب من خلال الصور في المرحلة الأولى دون اللجوء إلى الترجمة.
5- مهارة الكلام:
الكلام هو الوعاء الذي تصب فيه اللغة بكل روافدها، ومن أجل هذا كان الاهتمام بتدريس مهارة المحادثة من الأمور المهمة والمستحدثة في عملية تعليم اللغة العربية. والكلام أهم مظهر يمكن أن يقيس الناس به فهم الدارس للغة الأجنبية المستهدفة، وعندما يقال إن شخصا ما يعرف لغة ما، فأول ما يتبادر إلى الذهن أنه يتكلم هذه اللغة جيدا. إن ثمة افتراض تنطلق منه هذه الحقيقة ذلك هو: لو أن فردا درس لغة ما دراسة جيدة فإنه يصبح قادرا على الاتصال بمتحدثيها والتفاهم معهم.
إن مهارة المحادثة تنمو أولا من الاتصال باللغة، ويقتضي هذا أن يشجع المعلم الطلاب على أن يعبروا عن أنفسهم بأساليب سهلة، وفي ضوء هذه الأهمية لمهارة المحادثة، يتضح لنا أنها فن مهم وهي ترجمة اللسان عما تعلمه الإنسان عن طريق الاستماع والقراءة والكتابة، وهي أيضا مهارة يجب الاهتمام بها لا سيما في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها.
والرؤية المقترحة ترى تعليم مهارة الكلام من أول يوم يبدأ فيه الطالب دراسة اللغة العربية، ويكون ذلك من خلال المدخل الشفوي الذي نعلم فيه الطالب الكلام عن طريق حوارات شفوية موجهة وموظفة بحيث تقبل المد والإطالة، حتى الكلمة المفردة يجب توظيفها لخدمة مهارة الكلام في جمل وحوارات لكي تنغرس في ذهن الطالب، وما النحو الوظيفي إلا نوع من الآلية التي تطيل الحوار من خلال الآليات النحوية، وفي الحقيقة كل كلمة يدرسها الطالب المبتدئ وكل جملة يجب أن تكون دافعا إلى مزيد من الكلام، وأكاد أرى الطالب – في هذه الرؤية المقترحة – لا يوقفه عن الكلام إلا القلم عندما يستخدمه في الإجابة وحتى في تلك اللحظة لماذا يتوقف لسانه أثناء الكتابة إن أمكن ذلك؟ وبذلك تكون كل المهارات خدما لمهارة الكلام.
6- مهارة القراءة:
الكلام أساس اللغة، والقراءة هي إحدى مفاتيح اللغة، وتختلف الطرق التي اتبعت في تعليم القراءة، فالطريقة الجزئية التركيبية تسير من تعليم قراءة الحرف إلى قراءة الكلمة، والطريقة الكلية التحليلية تبدأ بتعليم قراءة الكلمة أو الجملة حتى يعرف المتعلم عددا مناسبا من الكلمات معرفة الرؤية والنظر، ثم تتجه تدريجيا إلى تحليل الكلمات أو الجمل إلى أحرف وأصوات، أما الطريقة الهجائية التقليدية فتعلم قراءة الحرف بصوته واسمه منفردا، ثم تشكل من الحروف التي تعلمها كلمات وجملا، ونلاحظ أن الطريقة الكلية التحليلية هي أفضل الطرق لتعليم القراءة لغير العرب لأنها تكسب الطلاب جملا كثيرة، وهذا هو الشكل الطبيعي الذي يتعلم به الطفل لغته الأم.
نلاحظ أن مهارات اللغة متداخلة فعندما نعلم الطالب النطق نعلمه القراءة أيضا وعندما نعلمه حوارا يسهل عليه قراءة هذا الحوار الذي حفظه قبل قراءته ، والكلمة التي يرددها الطالب كثيرا يشعر بسهولة قراءتها، وتأتي صعوبة قراءة كلمة ما من عدم التعود عليها، أو جهل معناها. والطريقة المقترحة تعود الطالب من اليوم الأول على سماع قدر لا بأس به من الكلمات الجديدة، وهذا بدوره سيؤدي إلى سهولة القراءة والكتابة، لأن الطالب قد تعود على سماع الكلمة ورؤيتها فيما سبق فسيشعر بسهولة قراءتها ونزيد على ذلك تحليل الكلمة إلى أصولها، ثم نعلم الطالب حروف اللغة العربية وهذه الطريقة في تعلم القراءة تسمى الطريقة الكلية، وهي التي نعلم فيها الطالب الكلمة كاملة قبل تحليلها إلى أصولها .
وقد رأينا أن الطريقة الكلية هي الأنجح في تعليم اللغة العربية لغير العرب لأن الطالب لا يضيع وقته في تعلم حروف لا معنى لها بل يتعلم كلمات لها معنى، ثم بعد ذلك نخبره أن الكلمة تتكون في الأصل من حروف فيكون ذلك مفيدا بالنسبة له، ثم نتدرج بالطالب من قراءة كلمة مفردة يتعلم معناها من خلال قراءتها، إلى قراءة جمل مفيدة لنزيد من ثروته اللغوية، ومن خلال تدريبات التعرف على الكلمات وتمييزها تتكامل الكلمة بكل حروفها، وتدرك عين الطالب الفرق بين الحروف المختلفة، ويأتي التدريب الأخير في مهارة القراءة.
7- مهارة الكتابة:
ما قلناه عن مهارة القراءة من تداخلها مع المهارات الأخرى يصدق على مهارة الكتابة، فآلية الكتابة يجب أن تربي في الطالب من أول يوم، فالطالب عندما يكتب كلمة تعلمها يشعر براحة نفسية، ويأمن على هذه الكلمة من الضياع فالكتابة تقييد العلم، ويكون التدريب على الكتابة تدريجيا بدءا بمرحلة ما قبل الكتابة، ولكن من خلال نماذج موجودة ومفيدة تصنع الآلية وتوظفها فيما يفيد، وليس فقط بأمر الطالب برسم خطوط وانحناءات لا فائدة لها. وبعد أن تنمو مهارة رسم الكلمة سيشعر الطالب في تدريبات مهارة الكتابة أن آلية الكتابة تكون قد نضجت في الإجابة عن تدريبات الكتابة، وتكون التدريبات في البداية بالمرور على كلمات وجمل يراها الطالب بخط خفيف، ويكون ما يكتبه الطالب مألوفا لديه، ولنعلم أن الطالب عندما يضغط على القلم ويكتب كلمة سيحفر القلم رسم الكلمة في ذهن الطالب، فلا تغادره، فالكتابة ترسخ المعلومة وتثبتها في الذهن.
هناك الكثير من الظواهر في اللغة الأجنبية تكون غريبة على الطالب، ويحتاج أن يعود نفسه عليها إذا أراد أن يكتب اللغة بثقة واطمئنان، إن النسخ المُعْتَنَى به كفيل بأن يمنع تسرب عادات اللغة القومية، وذلك بتركيز انتباه الطلاب على الاختلافات. ويجب أن يكون النسخ بقدر معقول بحيث لا يسبب إرهاقا للطالب ولا ينفره من الإقبال عليه، ويستحسن حث الطالب على الاهتمام بوضع علامات الترقيم وعلى أن يكرر مع نفسه ما يكتبه أثناء عملية النسخ لأن ذلك يُكَوّن لديه تدريبا تكراريا للحوار الأساسي أو الجمل وقد يساعده على الحفظ.